تهديد إلكتروني مقلق .. كيف يمكن حماية الانتخابات الألمانية؟
١٦ فبراير ٢٠٢٥تحذر السلطات الأمنية من محاولات محتملة للتأثير على الرأي العام أو بث الفوضى والاضطراب قبل التصويت في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في الثالث والعشرين شهر شباط/ فبراير الجاري. وتحذر هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) من "محاولات دول أجنبية ممارسة نفوذها"، باستخدام "التضليل والهجمات الإلكترونية، فضلاً عن التجسس والتخريب".
وتتوقع االهيئة تضخيم التضليل من خلال خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي وعمليات الاختراق والحملات الدعائية التي يتم تنظيمها بواسطة الذكاء الاصطناعي.
وكررت كلاوديا بلاتنر، رئيسة وكالة الأمن السيبراني الألمانية، هذه التحذيرات، في تصريحات صحفية بقولها إن "هناك قوى داخل ألمانيا وخارجها لديها مصلحة في مهاجمة العملية الانتخابية وتعطيل النظام الديمقراطي".
وتُجرى الانتخابات التشريعية المبكرة، في ظل جدول زمني مضغوط يشكل تحديا لوجستيا للسلطات، وفي ظل التوترات السياسية المتزايدة.
ويقول يوزيف لينتش، خبير التكنولوجيا والرئيس التنفيذي لمؤتمر القمة التكنولوجية السياسية، الذي عقد في برلين في 25 كانون الثاني/ يناير: "هناك قضايا مختلفة، من الوضع الاقتصادي إلى الوضع الجيوسياسي، تعمل على تقسيم المجتمع". ويضيف في حديثه لـ DW: "الشعبويون والمتطرفون بارعون بشكل خاص في استغلال هذه الانقسامات الاجتماعية".
التهديدات من الداخل والخارج
يقول الخبراء إن الهجمات السيبرانية على الأفراد والمنظمات البارزة تشكل تهديدا كبيرا للانتخابات. وبمجرد الحصول على البيانات الحساسة يمكن استخدامها في عمليات "اختراق وتسريب" منسقة، حيث يتم نشر المواد المسروقة، وغالبا ما يتم تغييرها أو إخراجها عن سياقها، لتقويض مصداقية المرشحين أو الأحزاب.
وحذرت هيئة حماية الدستور في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني من أنه "على خلفية الحرب العدوانية الروسية ضد أوكرانيا، ربما يكون لدى روسيا المصلحة الأكبر والأكثر وضوحا في التأثير على الانتخابات لصالحها".
لكن الخبير التكنولوجي لينتش يحذر من أن الجهات الفاعلة المحلية التي تعمل من داخل ألمانيا تشكل خطرا كبيرا على نزاهة الانتخابات أيضا. ويقول "لقد تطور المجال العام. إذ تستخدم الجهات الفاعلة المناهضة للديمقراطية الآن قنوات على منصات المراسلة مثل واتسآب وتلغرام، بالإضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، للالتفاف على إجراءات التحقق التي تقوم بها وسائل الإعلام التقليدية وغيرها من الكيانات الموثوقة".
ويقول لينتش إن الجهات الفاعلة المتطرفة والأحزاب الشعبوية مثل حزب البديل من أجل ألمانيااليميني الشعبوي، أمضت سنوات في بناء هذه "البنية التحتية الرقمية البديلة"، ويضيف أنه "نتيجة لهذا، أصبحت الآن متقدمة بنحو عقد من الزمن على الأحزاب والجهات الفاعلة الأخرى".
درس الانتخابات الرومانية
وحسب رأي لينتش فإن القوة السياسية لهذه البنية التحتية الرقمية تجلت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا، مع الفوز المفاجئ للقومي كالين جورجيسكو. وهو يميني متطرف معجب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا ينتمي إلى أي حزب سياسي. ولم يشارك في أي من المناظرات التلفزيونية الرئيسية خلال الحملة. وقام بحملته بشكل أساسي على قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة به، وخاصة على تيك توك، حيث لديه 520 ألف متابع و5,7 مليون إعجاب. ويحذر لينتش من أن "رومانيا دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. وما حدث هناك يمكن أن يحدث في دول أخرى، بما في ذلك ألمانيا".
تزايد دعاية الذكاء الاصطناعي
في ألمانيا لم يبن أي حزب "بنية تحتية رقمية" مثل حزب البديل لنشر سردياته، حسب رأي كاتيا مونوز، الباحثة في مركز الأبحاث المجلس الألماني للعلاقات الخارجية في برلين.
وفي إطار هذه الشبكة من حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، تتفاعل حسابات متعددة مع بعضها البعض لحث خوارزميات المنصات على تضخيم نطاق المنشورات، تقول مونوز لـ DW، وتضيف: "إنها خطوة منظمة لدفع نفس السردية" إلى مقدمة النقاش.
وفي الوقت نفسه، تسمح برامج "الذكاء الاصطناعي التوليدي" الجديدة للأحزاب والأفراد بإنشاء منشورات، نصية وصور وحتى مقاطع فيديو، بشكل أسرع بكثير من ذي قبل، مما يعزز التأثير المحتمل لبنيتهم التحتية الرقمية.
"نرى في ألمانيا أن الحزب الذي ينشر أكبر قدر من المحتوى الذي يتم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي التوليدي، هو حزب البديل" تقول مونوز في إشارة إلى ما توصلت إليه بعد تحليل أجرته حول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها الأحزاب الألمانية حول الانتخابات الأوروبية، وكذلك الانتخابات المحلية في عام 2024.
وتقول إن "هذا المحتوى ليس بالضرورة خاطئاً، لكنه مضلل ويهدف إلى تأكيد المعتقدات القائمة، إنها دعاية الذكاء الاصطناعي". وتستشهد مونوز بمقطع فيديو مدته 78 ثانية تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي ونشره حزب البديل في أيلول/ سبتمبر الماضي، قبل ثمانية أيام من الانتخابات المحلية في براندنبورغ. يصور مقطع الفيديو سيناريوهات يتم فيها مقارنة أشخاص في الغالب ذوي شعر أشقر وعيون زرقاء بأشخاص من ذوي البشرة الملونة، يتم عرضهم في سياقات سلبية.
كيف يمكن حماية الانتخابات؟
يقول الخبراء إن هناك حاجة لنهج متعدد الجوانب لحماية نزاهة الحملة الانتخابية والانتخابات في ألمانيا. ولمواجهة خطر الهجمات الإلكترونية، شكلت هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية) فريق عمل خاص لمراقبة التهديدات. وتقدم وكالة الأمن السيبراني ندوات عبر الإنترنت للمرشحين والأحزاب لمساعدتهم على تأمين أجهزتهم وحساباتهم عبر الإنترنت ضد المتسللين السيبرانيين.
وقالت كلاوديا بلاتنر رئيسة وكالة الأمن السيبراني، في تصريحات لإذاعة "دويتشلاند فونك" العامة: "كنا نود القيام بذلك في الموقع الإلكتروني وبشكل شخصي، ولكن الآن يتعين علينا التحول إلى الندوات عبر الإنترنت، لأننا لا نملك الوقت الكافي للتحضير كما كنا نعتقد".
ومع بقاء أيام قليلة فقط حتى يوم الانتخابات، أكد خبير التكنولوجيا يوزف لينتش أنه "من المهم للغاية أن يشارك المجتمع المدني والجهات السياسية الفاعلة والسلطات الرسمية في الحوار، خاصة وأن الفترة التي تسبق الانتخابات قصيرة".
ومن جهتها قالت الباحثة كاتيا مونوز: إن السلطات يجب أن تكثف جهودها أيضا لزيادة الوعي بشأن التضليل والدعاية التي يولدها الذكاء الاصطناعي، وأضافت "يجب على المسؤولين أن يشرحوا للناس كيف يتم التلاعب بالرأي العام وكيف يتم دفع الآراء الهامشية إلى مركز المناقشة".
أعده للعربية: عارف جابو